أغلب ما يتم تناوله لا سيما في بلادنا العربية في مجال الموهوبين هو اكتشاف وتنمية الموهبة وهذا لا غبار عليه، ولكن الموضوع الأكثر أهمية هو مدى إسهام هذه الشخصية الموهوبة في نفع المجتمع والإنسانية.
وهذا الأمر بالطبع يعتمد على شخصية الطالب الموهوب من حيث نظرته للمجتمع والناس والحياة وقيمه واتجاهاته وأخلاقه وغيرها فيما يتصل في دوره كموهوب نحو المجتمع، أي أن هذا الحديث بالذات لايتم الاهتمام به كثيرًا؛ لأن أغلب الغرب ينظرون إلى الأمر بأنها قضايا شخصية إلى حدٍ ما بالرغم من تنامي الاهتمام بهذه القضية وإن بشكل محدود.
كما أن التركيز في العالم الغربي على تنمية البُعد العقلي، وفي مجالات العلوم الطبيعية والتطبيقية، مثل: جوانب العلوم والرياضيات والتقنية، وبالرغم من ظهور نظريات في العقود القليلة الماضية تؤكد تنوع مجالات الموهبة إلا أن الواقع في العالم العربي لا زال يركز في هذا المجال بشكل كبير، أي: العقلي والعلوم التطبيقية البحتة. وللأسف حتى في المجال البحثي فلا يزال الباحثون العرب يدورون في هذا الفلك إلا القلة القليلة.
ونحن نؤكد في نظامنا التعليمي قولًا لا فعلًا أننا نرغب في تنمية شخصيات الطلبة تنمية شاملة ومتوازنة عقليًا وروحيًا ونفسيًا واجتماعيًا وعاطفيًا وجسميًا بل وحياتيًا، أما في واقعنا فأعتقد جازمًا أننا فشلنا في الوصول إلى ذلك.
والطالب الموهوب في حاجة إلى هذا التوازن والتكامل في بناء شخصيته أكثر من الآخرين لا سيما إذا فكرنا بالآثار والمآلات المتوقعة لأعمال ونشاط الموهوب في مجتمعه.
وعليه فإن برامج الاكتشاف والتنمية للموهوبين ينبغي أن تتوسع تدريجيًا لتشمل جوانب الشخصية المتوازنة والمتكاملة، لأن جانب الأثر والنفع لما يقوم به الموهوب سواء كأفراد أو مجموعات يعتمد على ما يحمله من قناعات وتصورات ودوافع وقيم ومشاعر نحو المجتمع والإنسانية، أي أن تفعيل قلبه وعقله يسبق عمله الإبداعي والابتكاري ونقله للواقع والحرص على نفع الآخرين وهذا ما نصبو إليه جميعًا. فالهدف ليس تنمية الشخصية للفرد فقط وإنما لما نتوقعه من دور في عملية التنمية ورفاهية المجتمع وإسعاد البشرية.
وعليه فإن البرامج التي نقوم بتطويرها لأبنائنا الموهوبين ينبغي أن تأخذ في الاعتبار المدخل التكاملي في الكشف والتنمية، ومن ذلك:
١. التسليم من قبل المعنيين في رعاية الموهوبين أن المجتمع والبشرية في حاجة إلى موهوبين في جميع مجالات الحياة المختلفة، وعليه فنحن نحتاج إلى موهوبين في كل هذه المجالات والتي عددها يتزايد مع تعقد الحياة وتطورها، والاقتصار على العلوم والرياضيات هو هضم وقصور في النظر إلى حاجات المجتمع، من المهم الاهتمام بالعلوم والرياضيات والاستمرار في الاهتمام بها دون الإخلال ببقية الجوانب.
٢. السعي إلى توفير البرامج المكملة للجوانب العقلية وهي تكوين الشخصية وتنميتها في المجالات الإيمانية والروحية والقيمية والأخلاقية والوجدانية والاجتماعية والجسمية وتفعيل دور الفرد في المجتمع.
٣. الاهتمام في التفكير المقاصدي والذي يوجه تفكير الموهوبين لحاجات المجتمع وأولوياته، فكل مجتمع له حاجاته التنموية ذات الأولوية وما أكثرها، ونحن في حاجة إلى توجيه الطلبة لهذه المجالات سعيًا في إرشادهم لربط مواهبهم بأولويات المجتمع والتي تتحول إلى مقاصد لهم.
٣. أما من حيث مهارات التفكير فعلينا الاهتمام بتنمية التفكير الناقد والتفكير الإبداعي في ضوء التفكير المقاصدي، والذي يصاحب عمل الموهوب دومًا، والتفكير الأخلاقي الذي يوجه ويضبط قرارات الموهوب أيضًا فيما يفيد الآخرين.
٤. أي أن برامج تنمية شخصيات الموهوبين ينبغي أن تركز على أربعة أمور وهي تفعيل القلب أولًا، ثم تفعيل وإعمال العقل ثانيًا، وثالثًا تفعيل التطبيق لتحويل أفكار الموهوبين إلى جوانب تطبيقية يجربها ويستقصي فاعليتها، ورابعًا التأكد من أن الموهوب قدم شيئًا نافعًا للمجتمع وأسهم في رفاهيته وإسعاده مع أخذه في الاعتبار أولويات حاجاته التنموية عند قيامه بالعمل والشعور بالسعادة لخدمة الآخرين.
EVENT INFO :
- Start Date:13/12/2024
- End Date:13/12/2024