كان عنوان الدرس”غزوة تبوك”، وبطبيعة الحال، فالدرس مُصاغٌ بنفس النمطية التي يتم بها صياغة دروس السيرة النبوية لطلابنا في المدارس، وكذلك في تخصصات علوم الشريعة في الجامعات، ولكن الأستاذ الذي نشير إليه في مقالنا هذا ليس أستاذًا تقليدياً، لقد طرح السؤال التالي على تلاميذه، فقال : لو كان أحدكم رئيساً لدولة، وبحسب المعلومات الموثوقة التي وصلت إليك، تبيَن لك بأن دولة أخرى تُجهز لمداهمتك في عاصمة دولتك والهدف هو القضاء عليك وإسقاط هيبتك بين الدول، فما القرار الذي يمكن أن تتخذه، وبالذات وأنت – كرئيس دولة – تعلم بأن دولتك ليس لها جيش نظامي مُدرَّب، وليس لديها وزارة مالية ولا اقتصاد قوي، والأهم هو أن تلك الدولة التي تنوي الهجوم عليك ليست دولة عادية، إنها دولة عُظمى وقوية !
لقد وجه المعلم سؤاله إلى تلاميذه، وطلب من كل واحد منهم أن يتخذ القرار، بناء على كل المعطيات السابقة، ولكون الحصة ( online) فقد أرسل إلى تلاميذه رابطاً لأحد التطبيقات المهيأة لإجراء العصف الذهني، وطلب من تلاميذه أن يكتبوا آراءهم، فكتب كل تلميذ قراره، وكتب أيضاً كل الحلول الممكنة لمعالجة جوانب الضعف لديه، وفي نهاية النشاط، أصبح أمام التلاميذ قرارات كثيرة وبدائل للحلول ما كان المعلم يتوقعها، ثم استعرض جميع مقترحات التلاميذ لمعالجة جوانب الضعف المالي والبشري.. لقد قام المعلم مع تلاميذه بمناقشة كل بديل، سلبياته وإيجابياته وما يترتب عليه، ثم طلب من التلاميذ حذف البدائل غير المناسبة بناء على معايير واضحة، ومنها معيار: الكُلفة، الأثَر ..الخ، حتى وصل بهم إلى اختيار البديل الأنسب. لقد اقتنع التلاميذ بأن الهجوم هو خيرُ وسائل الدفاع، واستعرضوا كل المبررات.. وبذلك شرح الأستاذ غزوة تبوك، وقدمها على هيئة مشكلة، واستخدم استراتيجية العصف الذهني في توليد الأفكار واستمطار الآراء، ومضى بتلاميذه خطوة خطوة حتى وصل بهم إلى اتخاذ القرار الأنسب.
في المقال السابق ” استراتيجية حل المشكلات” أشرنا إلى أهمية صياغة الدروس على هيئة مشكلات، وأكدنا على أهمية هذه الطريقة في تحفيز المتعلمين لإنتاج الحلول، ومعالجة المشكلات، وبأن اكتسابهم لهذه المهارة وممارستهم لها في المدرسة يجعلهم مؤهلين لممارستها في حياتهم الاجتماعية والسياسية والإدارية وفي شؤونهم المختلفة.
العصف الذهني هو نشاط جماعي كبير أو صغير يُشجع الطلاب على التركيز على موضوعٍ ما والإسهام في التدفق الحر للأفكار[1]، ولهذا النشاط مجموعة من القواعد التي يجب على المعلم أو المُربي مراعاتها عند التنفيذ، ومن أهمها، وهنا نخاطب المعلم :
- ابدأ بمشكلة
- ضع حدًا زمنيًا للعصف الذهني.
- لا تحكم على أي فكرة ولو إيماءً سلباً أو إيجاباً.
- استخدم رسومات وخرائط لجمع الأفكار أو تطبيقات إلكترونية.
- شجع الأفكار الغريبة ( التفكير خارج الصندوق).
- احرص على جَمع أكثر عدد ممكن من الأفكار (الكمُّ يؤدي إلى الكيف!)
- وفِّر بيئةً آمنة ودافئة تسمح للطلاب بالتعبير عن آرائهم بحرية.
- لخِّص، واخرج بنتيجة بناءً على معايير أو مَحَكَّات معلنة للتلاميذ.
في البداية ، قد يُحجم بعض المتعلمين عن التحدث علانية أمام أقرانهم، ولطبيعة العصف الذهني التشاركية، فإنهم سرعان ما ينخرطون فيه وبشكل تلقائي. يجب على المعلمين التأكيد على الاستماع النشط خلال هذه الجلسات، ومن الأفضل أن يقوم المعلم بتدريب التلاميذ على إدارة جلسات العصف الذهني، وتدوير القيادة بينهم؛ ليتسنى للجميع خوض التجربة واكتساب المهارة.
لعل القارئ الكريم أن يلاحظ بأنني بدأت بقضية مرتبطة بدرسٍ من دروس التربية الإسلامية. نعم، لقد هدفت من خلال هذه القضية أن ألفت نظر التربويين وصُنَّاع القرار إلى أهمية إعادة صياغة محتوى كتب الشريعة على شكل مشكلاتٍ تتيح للمتعلمين أن يفكروا بعمق. فيما عدى نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة، فإننا نستطيع تصميم المحتوى بطريقة أكثر جاذبية مما هي عليه اليوم، وأكثر ارتباطاً بحياة المتعلمين، وإكسابهم مهارات التفكير الناقد والإبداعي، والكثير من المهارات الحياتية، والمهارات الشخصية.
يؤسفني أن أقول بأن محتوى مواد الهُوُية: ( التربية الإسلامية – اللغة العربية – الاجتماعية) مُصمم بطريقة تقليدية تُكرِّسُ الحفظ، وتعتمد على التلقين، وتُكرِّر نفسها، وبنفس الأسلوب والطريقة، ولا تثير فضول المتعلمين، ناهيك أن تسمح لهم بالنقد أو إبداء الرأي في القضايا المطروحة، مما يؤثر سلباً على أداء المتعلمين واتجاهاتهم نحو هذه المواد الدراسية. وهذا ما يبرر لنا نفور الكثير من المتعلمين من حصص تلك المواد، ولقد أثار انتباهي أحد الطلاب وهو يتصفح أحد كتب التربية الإسلامية اليمنية حينما سألني بشكل تلقائي وقال: لقد أخبرني أبي بأنه درس نفس هذا الكتاب، فهل ابني في المستقبل سيدرسه؟ وأردف قائلاً، إننا ندرس الغزوات منذ الصغر لكن حجمها -فقط – يختلف، ويكبر معنا، وهنا قد يتوجَّه أحد القُرّاء الكرام بالسؤال: وهل يمكن أن تختلف هذه الموضوعات باختلاف الزمان؟ أقول: نعم، يمكن إعادة تصميم المحتوى على شكل أبحاث ومشكلات، ويمكن لفيلم فيديو تعليمي مدروس بعناية أن يختصر الكثير. إنني أدعو إلى إعادة النظر في تصميم وصياغة محتوى هذه المواد بطريقة حديثة تُسهم في إكسابب أبنائنا المهارات الحياتية التي يتطلبها عصرهم، والتي تساعدهم في أن يكونوا أفراداً نافعين لبلدانهم ومؤثِّرين بشكل إيجابي على محيطهم الإقليمي والعالمي.
[1] https://teaching.unsw.edu.au/brainstorming