على الرغم من أنه يعمل في إطار مؤسسة تعليمية تقليدية إلا أن الأستاذ (أ.ع) يحاول جاهداً الاستفادة من الاستراتيجيات الحديثة للتعليم والتعلم. ذات يوم سأل تلاميذه: هل لديكم أي فكرة عن المناظرة، وقواعدها، وآلية تنفيذها؟ أجاب أكثر التلاميذ: لا! لكن أحدهم يطلب الإذن بالكلام، فيقول: لقد تابعنا مناظرة بين المتنافسين للفوز برئاسة أمريكا، ولكن: هل للمناظرة نظام وقواعد ضابطة؟! تجيب إحدى الطالبات: نعم، لقد اشتركت ذات مرَّة في مناظرة، وكانت مثيرة للغاية ومضبوطة بقواعد دقيقة. الأستاذ: ما رأيكم أعزائي أن نُنَظم مناظرة؟ اتفق الجميع على خوض التجربة، وتحمَّسوا لإجرائها.
كلف الأستاذ تلميذته (ش.أ) لإدارة المناظرة، بعد أن تم اتفاق الجميع على أن يكون الموضوع هو: (التعليم أون لاين هو البديل الأمثل للتعليم الرسمي). باشَرت مديرة البرنامج أعمالها باختيار فريقين، أحدهما يُسمى فريق الموالاة ويمثله أربعة طلاب وطالبات، والآخر فريق المعارضة. وأتيحت الفرصة للفريقين بأن يرتبوا أفكارهم ويجمعوا كل الأدلة الداعمة لحججهم، وكل ما يدحض حجج الفريق الآخر.وعلى الرغم من أن فترة الإعداد لم تكن سوى أسبوع إلا أن الفريقين بذلا جهوداً كبيرة لإنجاح المناظرة.
اختارت مديرة البرنامج أحد أشكال المناظرة التنافسية، ودرَّبت الفريقين على القيام بها، وتوزَّع فريق الموالاة (المؤيدين للتعليم أون لاين) وعددهم (4) الأدوار، والمحاور بينهم، وكذلك فعل فريق المعارضة.
بدأت المناظرة، وألقى المتحدث الأول من فريق الموالاة خطابه المُعَدُّ مسبقاً، والذي يجب أن لا يتجاوز (6 دقائق) بحسب نظام المناظرة المتفق عليه، وهو خطاب إيجابي مؤيد للفكرة ومشفوعاً بالحجج والبراهين، ثم يتحدث الطالب الأول من فريق المعارضة بخطاب فيه ردٌّ على حجج الفريق الأول ودعمٌ لوجهة نظرهم المعارضة للتعليم أون لاين، وينتقل الكلام إلى المتحدث الثاني من فريق الموالاة ويتحدث في خطابه عن معظم المحاور التي أعدها الفريق، و يدلي بحجج مُدعَّمة بالأدلة ليثبت وجهة نطر الفريق، ويكون خطابه جاهزًا ومنسقًا قبل بداية المناظرة. بالمثل يتحدث الممثل عن فرييق المعارضة، ثم يقوم المتحدث الثالث من الموالاة بتفنيد الحجج التي عرضها المتحدث الأول والثاني من الفريق المعاكس، ويدحض أدلتهم وبراهينهم التي استندوا إليها. خطاب المتحدث الثالث خطاب مُرتجل يقوم المتحدث بتجهيزه أثناء الاستماع إلى حجج الفريق المعاكس؛ ولذلك فإنَّ هذا الدور يُعطَى للمتحدثين القادرين على الارتجال من الفريقين.يأتي المتحدث الرابع بخطاب الرد، و الذي ينبغي أن يكون بمثابة تلخيص مختصر لما حدث في المناظرة، فيقوم المتحدث الرابع من فريق الموالاة والمعارضة بتعريف القضية و ذكر المحاور، ويظهر نقاط القوة التي امتاز بها فريقه، و يُؤكِّز على نقاط ضعف الفريق الآخر. فيخاطب الحكام محاولاً أن يثبت لهم بأن فريقه هو الفريق المنتصر وأن رأيهم هو الصواب. وأثناء المناظرة يحق الاعتراض على خروج أي متحدث على نظام المسابقة برفع اليد (نقطة نظام) من أحد المشاركين.
تم تحديد عدة معايير للحكم على جودة الحجج وتمَّ تشكيل لجنة تحكيم من مديرة المناظرة والأستاذ وأحد طلاب الصف، واعتمدت معايير التقييم، كالتالي: السياق وقوة الحجة، لغة الجسد، المؤشرات اللفظية، وتصويت الجمهور. يُعد الفريق الحائز على أكثر النقاط هو الفائز في المناظرة. لم تكن المناظرة بين طلاب جامعيِّين، بل تمت بين طلاب وطالبات الصف الثالث الثانوي، ولم يقم بترتيب المناظرة خبراء محترفون، بل نفذها التلاميذ بأنفسهم، وأداروها كما لو كانوا خبراء ومستشارين بارعين. وجَد التلاميذ ذواتهم، وعبَّروا بجلاء عن آرائهم، وعاشوا أجمل اللحظات المصحوبة بالحيوية والنشاط بحسب تعبيرهم.
للمناظرات أهمية كبيرة تتمثَّل في تعزيز ثقة المتعلمين بأنفسهم، وإكسابهم مهارات عملية في بناء الحجج والرد على حجج الآخرين وتنمية مهارات التفكير العليا، والتفكير الناقد ومهارات التحليل والبحث العلمي وتدوين الملحوظات، واحترام قواعد المناظرة وتطوير قدرات المتعلمين على الاتزان والتركيز على الأفكار، واستخدام المنطق واستحضار الشواهد والأدلة، والعمل ضمن فريق، إضافة إلى ذلك، فإن المناظرة تُعد تدريبًا للمتعلمين على الحوار وحُسن الإصغاء والاستماع ومقارعة الحجة بالحجة. المناظرات التي يقوم بها التلاميذ في المدرسة أو الجامعة، هي تدريب وتهيئة وتأهيل لهم للاشتراك في مناظرات رسمية وعامة، كما أنها تُكسبهم مهارات حياتية ضمن ما يُسمى بالمهارات الناعمة.
هناك عدة أشكال من المناظرات التنافسية[1]، كالخطاب الارتجالي، والمناظرة بأسلوب أكسفورد، والمناظرة على الإنترنت، وهناك العديد من الآداب والضوابط التي ينبغي مراعاتها أثناء المناظرة والتي من أهمها: الابتعاد عن الألفاظ العمومية، ومهاجمة الفكرة لا الشخص، ومحاولة إقناع الجمهور لا الخصم(المعارض)، والتسليم للطرف الثاني ببعض النقاط ذات الوجاهة، والعمل على ذكر مصادر موثوقة لتدعيم الحجج المقدمة، وغيرها من الضوابط التي يجب على الفريقين الالتزام بها.
ندرك أن هناك جملة من الصعوبات التي تقف في طريق المعلمين المبدعين والذين يحاولون كَسر جمود النظام التقليدي والاستفادة من الاستراتيجيات الحديثة للتعليم، ولكن المعلم الناجح هو من يستفيد من المساحة المتاحة لحركته في إطار مادته الدراسية أو مساقه التعليمي. إننا نوصي إدارات المدارس والجامعات والمعاهد بتفعيل الأنشطة الصفية واللاصفية، وتشجيع المعلمين على استخدام استراتيجيات تدريس حديثة، وإكساب المتعلمين مهارات حياتية، وعدم الاقتصار على مجرد التلقين والتحفيظ وأدوات التعليم التقليدي.
[1] https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%B8%D8%B1%D8%A9