تحدثنا سابقاً عن أهمية الطريقة التعاونية في التعليم، وأشرنا حينها إلى أن الطريقة التعاونية لا تتخذ شكلاً واحداً، بل يمكن ابتكار استراتيجيات أو أساليب عدة تندرج كلها تحت الطريقة التعاونية، وتحقق أهدافها المرسومة. استراتيجية جيكسو(1971)[1]، هي إحدى استراتيجيات التعليم التعاوني والمنسوبة إلى د.أورنوسون، وفي هذه الطريقة أو الاستراتيجية يتعلم الطلاب من بعضهم ويتعاونون في تحقيق الأهداف المرسومة بشكل تفاعلي.
يجدر بالمعلم قبل اختيار استراتيجية التدريس أن ينظر نظرة فاحصة إلى محتويات الدرس ومحاوره، وأهدافه، ومن ثم اختيار الطريقة المناسبة لتحقيق تلك الأهداف، واستراتيجية جيكسو ليست فقط أداة فاعلة لتحقيق مخرجات التعلم في الدرس أو الوحدة الدراسية أو أي فصل في كتاب، بل إنها تذهب أبعد من ذلك في تعزيز قيم التشارك والشعور بالمسئولية والعمل بروح الفريق وتقبُّل النتائج.
وفقاً لاستراتيجية جيكسو فإن المعلم يقوم أولاًبتقسيم الطلاب بناءً على عدد محاور الموضوع المُحددة[2]، فإذا كان عدد المحاور خمسة، فإن عدد المجموعات يجب أن تكون خمساً، فلو افترضنا بأننا أمام درس في كتاب التاريخ بعنوان: جزيرة العرب، والدرس مقسم إلى محاور خمسة ، وهي : الموقع الجغرافي للجزيرة العربية،الحياة الاجتماعية لشعوب الجزيرة، الجزيرة قبل ظهور الإسلام، الجزيرة عند ظهور الإسلام، الجزيرة العربية في التاريخ المعاصر، فإننا نقوم بتوزيع الطلاب على عدد المحاور الخمسة.
في الطريقة التقليدية يقوم المعلم بكتابة المحاور على السبورة ثم يبدأ بشرحها: المحور بعد الآخر، حتى يُنهي جميع المحاور ومن ثم يقوم بعملية الإغلاق، وهنا لا يكون دور الطالب سوى الإنصات ومتابعة المعلم وكتابة أسئلة الدرس نهاية الحصة. في الطريقة التقليدية يتم تلقين التلاميذ المعلومات،وربما حفظوها عن ظهر قلب، ولكنهم لم يتعلموا سوى أنهم أوعية تم إفراغ المعلومات فيها.
في درس التاريخ السابق -جزيرة العرب- وفي ظل استراتيجية جيسكو، سيقوم المعلم بتقسيم الطلاب إلى خمس مجموعات أساسية، وكل مجموعة ( Home Group )، تقويم بتحديد محور لكل طالب ليقوم المعلم بتشكيل مجموعة الخبراء (Expert Group)، فالموقع الجغرافي للجزيرة سيُوكَل إلى طالب، وحال الجزيرة قبل الإسلام سيُعيَّن لطالب آخر، وهكذا، فكل طالب من المجموعة سيكون مسؤولاً عن محور من محاور الموضوع، ويبدأ كل طالب بالقراءة، والبحث حول محوره، وهذا الأمر يكون في كل مجموعة، بعد ذلك يقوم المعلم بإعادة تشكيل المجموعات وفقاً لمحاور الموضوع، ومن ثم يناقش كل عضو في المجموعة أفكاره مع الآخرين في ذات المجموعة.
في هذه المرحلة – مرحلة الخبراء- يتم إثراء المحور من كل الطلاب ومناقشة أفكار كل طالب وتصحيح المفهومات الخطأ، والمعلم يُراقب الوضع ، فإذا انتهى الوقت المخصص، يعود كل طالب إلى مجموعته، وقد استوعب كل ما يتعلق بالمحور المخصص له، وحال التئام المجموعات الأساسية، يتولى كل طالب شرح المحور الخاص به لزملائه في المجموعةوبذلك يتم شرح الدرس بكل محاوره من الطلاب أنفسهم.
في آخر خطوة يقوم المعلم بتقييم الأداء من خلال اختبار قصير لكل مجموعة يتضمن جميع محاور الموضوع ، أو تقديم الاختبار بشكل فردي لكل طالب، ومتوسط مجموع درجات الطلاب في المجموعة يكون هو نتيجة المجموعة النهائية، وبذلك فدرجة كل طالب ستكون مؤثرة على النسبة النهائية للمجموعة، ويقوم المعلم بعد ذلك بعمليتي التغذية الراجعة والإغلاق.
يمكن للمعلم حال الأعداد الكبيرة في الفصل تعيين أكثر من طلاب في كل محور لتمثيل المجموعة الأساسية في مجموعة الخبراء، ويمكن للمعلم الزيادة أو الدمج للمحاور بناء على أعداد الطلاب لديه، ويستطيع المعلم في التعليم الإلكتروني (Online) تطبيق الاستراتيجية، حيث تسمح بعض التطبيقات بفرز الطلاب بشكل عشوائي أو منظم بحسب رغبة المعلم إلى العدد المحدد لكل مجموعة وتوزيعهم في غرف افتراضية، وسيقوم النظام بإعادتهم إلى الغرفة الأساسية فور انتهاء الوقت المحدد، كما يمكن للمعلم أن يقوم بالتحضير للدرس وتقسيم التلاميذ من اليوم السابق.
ما يهمنا كتربويين ليس مجرد انتقال المعلومات من الكتاب إلى ذهن الطالب، وإنما يهمنا أن يتعلم الطالب مجموعة من القيم أثناء مروره بخبرة جديدة، ففي ظل استراتجية جيكسو تبرز القيم التالية :
- يتحمل كل طالب مسؤولية أمام مجموعته، وبذلك فإنه سيبذل جهده لاستيعاب المادة؛ حتى يقوم بشرح المحور لزملائه باحترافية.
- يتحمل الجميع المسؤولية المشتركة في تحقيق نتيجة تؤهلهم للفوز، وبذلك فإن مستوى حرص الجميع على تعليم بعضهم سيكون مرتفعاً، فطعم الفوز سيتذوقونه جميعاً ، كما أن مرارة الخسارة لن تقتصر على البعض منهم.
- يتعلم الطلاب من بعضهم، والأقران يتعلمون من بعضهم بشكل أفضل.
- يتعلم كل طالب كيف يناقش أفكاره، وكيف يعرضها، وكيف يُعلّم غيره، وكيف يتعلم من غيره، وكيف يُسهم في نجاح غيره.
- تتعزز روح التعاون، وتنزوي روح الأنانية، فالطالب الأكثر ذكاء سيكون أكثر حرصاً على زملائه الأقل منه ذكاء في الجانب الذي يتميز فيه.
- تتوزع الأدوار وتُكتشف المواهب، ويتعلم الطلاب أساليب الحوار والمناقشة، واحترام بعضهم، والالتزام بالوقت.
- تضمن الطريقة مشاركة جميع الطلاب، ولا تتيح لطالب أن يستأثر بكل شيء في حين لا يتحدث طالب آخر بشيء.
عندما نتحدث عن استراتيجيات التعليم الحديثة، فإننا نؤكد على أننا لا نهدف – فقط – إلى نقل محتوى الدروس بشكل فاعل من الكتاب إلى الطالب، وإنما نهدف علاوة على ذلك إلى غرس العديد من القيم المجتمعية، فالمدرسة هي البيئة المُصغرة للمجتمع الكبير.
[1] https://www.teachhub.com/teaching-strategies/2016/10/the-jigsaw-method-teaching-strategy/
[2] https://www.youtube.com/watch?v=3M-Ae8rU_GY&ab_channel=%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D9%84%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D9%86%D8%A7