التربية الرقمية Digital Education
د.عبدالقوي القدسي
السبت 24 يوليو 2021
يزداد الاعتماد على التكنولوجيا والارتباط بالأدوات الرقمية يوماً بعد يوم، ولقد اضطر العاملون بسبب فيروس كورونا إلى تحويل أعمالهم إلى الإنترنت ووجد الناس أنفسهم حبيسي بيوتهم دون سابق إنذار أو رغبة ورضا منهم. انتقلت المدارس والجامعات إلى التعليم عن بُعد ( أون لاين) واضطرت الكثير من العائلات إلى توفير الأجهزة اللوحية وأحهزة الكمبيوتر والأجهزة المحمولة ليتسنى لأبنائهم الانخراط في العملية التعليمية ومتابعة دروسهم التي تنظمها المدارس أو الجامعات.
لم يقتصر استخدام الأجهزة المحمولة أو الهواتف الذكية على تلقي الدروس والتفاعل التعليمي، وإنما تعدّت ذلك إلى الاندماج أكثر مع الشبكة العنكبوتية “الإنترنت”، بل إن الكثير من الآباء والأمهات باتوا يُعبِّرون عن استيائهم لاستخدام أبنائهم المفرط وغير الرشيد للأجهزة المحمولة والمكوث لساعات طويلة أمامها، ناهيك عن السلوكيات غير الجيدة التي يتعلمونها من الإنترنت.
شئنا أم أبينا، فقد أصبح التعامل مع التكنولوجيا والارتباط بالشبكة العنكبوتية سمة هذا العصر، ولذا فإنه من الأهمية بمكان أن نعمل معاً على محو الأمية الرقمية، وفي المقابل يجب أن نبحث في أساليب التعامل مع التكنولوجيا وحماية أبنائنا من سلبياتها، وتعزيز الجوانب الإيجابية وترشيد استخدام التقنية، وهنا يأتي دور المؤسسات التعليمية والإعلامية الداعم لدور الأسرة في توجيه أبنائنا التوجيه الصحيح لاستخدام التقنية، ولذلك فقد ظهر مفهوم (المواطنة الرقمية) وبدأت الكثير من الدول، مثل بريطانيا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا وفرنسا وغيرها من الدول تدريس طلابها في المدارس مواضيع خاصة بالمواطنة الرقمية في إطار منهج التربية الرقمية وتدريب الآباء والمعلمين عليها وفق خطة وطنية متكاملة، فما المقصود بالمواطنة الرقمية وكيف يتم تربية الجيل عليها؟
المواطنة الرقمية هي “الطريقة التي يجب أن نتصرف بها عندما نستخدم الأدوات الرقمية، ونتفاعل مع الآخرين عبر الإنترنت، وما يجب أن نتعلمه لمساعدة الجيل القادم ليكون مشرفًا أفضل على هذه التكنولوجيا.”
والتربية الرقمية تهدف إلى إعداد الطلبة لأن يكونوا مواطنين رقميين صالحين.ولذلك فإننا هنا نشير إلى عدة موجهات تربوية لإعداد الجيل إعداداً رقمياً صحيحاً،وفقاً لسياسة وقائية تحفيزية، وقائية ضد أخطار التكنولوجيا، وتحفيزية للاستفادة المثلى من إيجابياتها.
ومن ذلك:
1- تعليم الطلاب كيفية التعامل مع الإنترنت وآليات البحث وكيفية الاستفادة من التكنولوجيا في اكتساب المعرفة وتطوير المهارات وتنمية القدرات.
2- اكساب الطلبة مهارات التفريق بين الحقيقة والخيال، وهذا الأمر غاية في الأهمية، ويأتي عبر نقاش مستمر وواعٍ بين أولياء الأمور وأبنائهم وكذا المعلمين مع طلابهم. عدم القدرة على ذلك التفريق قد يجعله يقوده إلى محاولة تحقيق الخيال إلى واقع فيرتكب الكثير من الحماقات.
3- تثقيف الطلبة حول قوانين حماية المستخدمين للشبكة العنكبوتية، وهذه القوانين فيها حماية من التنمر عبر الإنترنت ومواضيع الرسائل الجنسية. ولذلك فالمواطن الرقمي الجيد هو الذي يستطيع الإبلاغ عن أي مضايقة يتغرض لها أو لديه القدرة على التعامل معها وفقاً للقانون.
4- تثقيف الطلبة حول القانون الرقمي والذي يقصد به القيود والحقوق التي تحكم استخدام التكنولوجيا بعدم مشاركة المحتوى الرقمي الذي يحمل حقوق طبع ونشر مع الآخرين وضرورة الإشارة لمصدر المحتوى الرقمي عند الاستفادة منه واحترام الآخرين في شبكة الإنترنت وعدم الإساءة لهم أو التعدي على حقوقهم، والوعي بعدم تبادل المحتوى الرقمي المخل بالآداب والوعي بعدم اختراق الأنظمة والحواسيب الخاصة بالأفراد أو المنظمات.، وعدم استخدام برامج القرصنة أو سرقة هوية أشخاص آخرين، والإطلاع على قوانين وعقوبات نظام مكافحة جرائم المعلوماتية والصادرة من الهيئات الحكومية.
5- مساعدة الطلبة على استخدام التكنولوجيا بمسؤولية، ونشر كل ما فيه فائدة، وتحذيرهم من نشر ما يخدش الحياء أو معلومات غير موثوقة أو التنمر على الغير أو نشر كل ما يعرض للمساءلة القانونية.
6- تعليم الطلبة كيفية التمييز بين مواقع الويب الاحتيالية والمواقع التعليمية والموثوقة، وتعليمهم قواعد الأمان والخصوصية وحماية الخصوصية. وكيفية تحديد النشاط غير الآمن عبر الإنترنت.
7- مساعدة الطلبة على الممارسات الصحيحة للإنترنت لتوسيع دائرة التفاعل وتبادل المعلومات والبيانات الموثوقة وتطوير التعلم.
8- تعليم الطلبة الأمانة العلمية من خلال توجيههم إلى ضرورة نسبة المعلومات والاقتنباسات إلى مصادرها، وعدم جواز سرقة حقوق الغير .
يأتي الحديث عن التربية الرقمية مصاحباً للحديث عن المواطنة الرقمية، ونحن اليوم نجد أنفسنا أمام مسؤولية حقيقية تقتضي تعليم الجيل بما يتوافق مع واقعهم وفي المقابل إعدادهم كمواطنين صالحين نافعين لأنفسهم وأوطانهم، وحماية أبنائنا من التعرض لأي نوع من أنواع التنمر والابتزاز عبر الإنترنت لا يقل أهمية عن تعليمهم استخدام التكنولوجيا والاستفادة من الإنترنت . ومن هنا فيجب على أولياء الأمور والمدارس والمؤسسات التربوية إيلاء موضوع التربية الرقمية عناية خاصة، وتخصيص موضوعات ضمن المقررات المدرسية أو المواد الإضافية تتضمن موضوعات : ( الحقوق والمسؤوليات الرقمية، القانون الرقمي، الاتصال الرقمي، التجارة الرقمية، الثقافة الرقمية، الوصول الرقمي، الأمن الرقمي، قواعد السلوك الرقمي، الصحة والرفاهية الرقمية، …الخ ).
كثير من أبنائنا وبناتنا ممن لا يمتلكون ثقافة المواطنة الرقمية يقعون فريسة للتنمر والوقوع في شباك القراصنة البشرية، وبسهولة ينخرطون في سلوكيات غير لائقة، وبعد أن يتورط الفتى أو الفتاة ببعض السلوكيات الخاطئة فإن ثقافة وعادات وتقاليد المجتمع التقليدي لا تتيح لمن تعرض لأي نوع من أنواع الابتزاز والتنمر إلى بث شكواه أو الحديث عن ما تعرض له فيكون بذلك بين نارين، نار التعرض لعقوبة الأسرة والمجتمع أو نار المتنمر. ولذا فإن أهمية التربية الرقمية تكمن في أنها تؤدي إلى تنمية الوعي بالمخاطر التي يمكن أن تقع، وتنمية القدرة على تحديد الاستخدام المناسب وغير المناسب للتفنية وزيادة المعرفة بالأدوات الرقمية وصولاً إلى كيفية الممارسة الصحيحة للتقنية والاستخدام الرشيد.