ارتبط التعليم بحياة الإنسان منذ الوهلة الأولى للخلق ” وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلْأَسْمَآءَ كُلَّهَا..”[البقرة:31]. لقد كان الإنسان عبر التاريخ يتعلم ما يعينه على إدارة حياته، وما يدفع المخاطر عنه، وتبعاً لذلك تنوعت استراتيجيات التعليم واتخذت أشكالاً تتناسب مع الأهداف المراد تحقيقها. لقد كانت طرق التدريس تشهد في الغالب أساليب وطرقاً عنيفة؛ لأن الغرض من التعليم هو إعداد الأفراد للقتال، و للتعامل مع ظروف الحياة القاسية، والمخاوف المتعددة، بينما أساليب التدريس اليوم مختلفة؛ لأن التعليم يهدف إلى إعداد الإنسان للإبداع والاختراع والترفيه والحياة المستقرة الآمنة، وطرق التدريس الحديثة اليوم، ستصبح في نظر الأجيال القادمة طرقاً تقليدية وهكذا.
طرق التدريس مرتبطة بثقافة المجتمع وتوجُهِه، فما نُسميه اليوم بالطرق التقليدية -حتماً- قد انبثقت من الثقافة السائدة والنظام الاجتماعي السابق، والذي كان يُكرس سلطة الفرد، ويُلغي شخصية المتعلم، ويتعامل معه كمُتَلَقٍّ سلبي ليس عليه سوى حفظ ما يُملى عليه. ما تزال بعض الدول تنظر إلى المعلم على أنه محور العملية التعليمية، وبالتالي يتركز الجهد عليه ويكون هو مركز الثقل، فهو الذي ينظم المعلومات ويقدمها ويختار الطرق المناسبة لذلك،وعلى ذلك فالطالب الصامت أو المؤدب، والذي لا تصدر منه أي حركة هو الطالب الأفضل والمحبوب.
التعليم التعاوني هو أسلوب حديث اعتمدته الدول المتقدمة؛ لإيمانها بأن التعليم التقليدي كرّس سلطة الفرد، وركِّز على المنافسة، ورسخ سلبية المتعلم، في حين ينقل التعليم التعاوني المتعلم من مجرد متلقٍ سلبيٍ إلى عنصر نشط وفاعل وإيجابي، ومتعاون مع الآخرين، وبناء على ذلك فقد تطور دورُ المعلم من مُقدم للمعلومات إلى مصمم عمليات التعلم النشط والبيئات والخبرات التي تزيد من مشاركة المتعلمين.
وفقاً لنظرية الترابط الاجتماعي لجونسون 1994، وحتى تكون الاستراتيجية تعاونية، فيجب أن يتم تنظيم خمسة عناصر أساسية[1]، وهي: الترابط الإيجابي، المساءلة الفردية، التفاعل التعزيزي ، المهارات الاجتماعية، والمعالجة الجماعية. تفترض جميع أشكال التعلم النشط تقريبًا أن الطلاب سيعملون بشكل تعاوني في مجموعات صغيرة. وبالتالي ، فإن التعليم والتعلُّم التعاوني هو الأساس الذي تبنى عليه معظم استراتيجيات التعلم النشط.
الترابط الإيجابي [2](Positive interdependence)، هو عنصر هام في التعلم التعاوني، وفيه يؤمن أعضاء المجموعة بأهمية وفائدة العمل معاً، وبالتالي يعتمد النجاح على مشاركة جميع الأعضاء. وعلى عكس العلاقة السلبية المتولدة عن التعليم التقليدي، والتي لا يبرز فيها المتعلم إلا من خلال فشل منافسيه، يحدث الارتباط الإيجابي عندما يكون المتعلمون على يقين من تحقيق أهدافهم المشتركة.
في ظل التعلم التعاوني، يحرص المتعلمون على تحقيق النجاح معاً، كما أن الترابط الإيجابي يُنشيء علاقات إيجابية بين المتعلمين، ويعزز قيمة التعاون التي ترافق المتعلمين إلى خارج الحجرة الدراسية ويمارسونها في إطار الحياة العملية. في حين أن العلاقة السلبية، تكون أحد الأسباب التي تدعم الاستبداد، وتقاوم العمل ضمن فريق، وتُرسخ الفردية والأنانية والعمل الأحادي.
يتم تشجيع المتعلمين في إطار الترابط الإيجابي على التفاعل التعاوني وإنجاز المهمات معاً، بينما نجد المنافسة الشديدة، هي نتيجة طبيعية للترابط السلبي الناشيء عن الطريقة التقليدية. لا نستغرب عندما نجد البعض يتصادم مع زملائه، ويسعى للتغلب عليهم، فهذه نتيجة متوقعة في إطار التعليم التنافسي لا التعاوني.
عندما يُكافَأ الفريق المنجز، فإن هذا يعني شعور كل فرد بانتمائه للمجموعة، وباستحقاقه كأحد أفراد تلك المجموعة للمكافأة أو الجائزة، وعند الخسارة – على سبيل المثال – فلن يتم تحميل فرد بعينه تلك الخسارة، ولكنه على كل حال سيحاول تقديم الأفضل في المرات القادمة. في إطار التعلم التعاوني، ينبغي على المعلم إعادة تشكيل المجموعات بين الحين والآخر بما يحقق إشراك الجميع مع بعضهم وعمل كل فرد مع الجميع، وليس في إطار مجموعة واحدة ثابتة ودائمة.
للتعليم التعاوني مراحل يجب الإلمام بها عند تصميم الطريقة المناسبة لتنفيذ الدروس، إذْ لابد أولاً من التعرف على المشكلة أو المهمة المطروحة، يلي ذلك مرحلة تقسيم المجموعات، وتقوم المجموعة بتوزيع المهام بينها، وبتفاعُل المجموعة تتم الإنتاجية أو الوصول إلى نتائج حلّ المشكلة أو الفراغ من المهمة، ثم مرحلة إنهاء العمل وتقديم التقرير أو عرض المُنجز.
لقد شبه نبينا محمد(ص) في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم المجتمع بالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمى.. عندما يشعر المتعلمون ويشعر المجتمع بأنهم كالجسد الواحد، وبأن لكل عضو مهمة يجب القيام بها، تماماً كأعضاء الجسد، فإنهم سيعملون معاً، وسيتأثرون حتماً بإصابة عضو منهم بالإعياء أو المرض أو عندما يتوقف نهائياً عن العمل. هذه هي الطريقة التعاونية، لا بد للفريق من رأس وقلب وأعضاء، ولا بد للجميع أن يعمل معاً.
في ظل استراتيجيات التعليم التعاوني، يشعر المتعلمون بحاجة بعضهم لبعض؛من أجل تحقيق النجاح، ويزداد تقديرهم لذواتهم واحترامهم للآخرين، ويظهر الإبداع الفردي والجماعي، ويعمل الجميع كفريق واحد مترابط.وللطريقة التعاونية في التعليم جذور قديمة، ولا تتخذ شكلاً واحداً؛ ولهذا فإننا سنقوم باستعراض أهم أساليب طريقة أو استراتيجية التعلم التعاوني.
[1] shorturl.at/hwxBI
[2] المرجع السابق