التعلم عن طريق الاكتشاف Discovery Learning

التعلم عن طريق الاكتشاف
التعلم عن طريق الاكتشاف
          د.عبدالقوي القدسي

يظل التربويون يبحثون عن أفضل الطرق التي من خلالها يحدث التعلم ويتم نقل المعارف واكتشاف كل جديد كما أسلفنا. إن كل جهد مبذول يُبنى على ما قبله ويكون أساساً لما بعده، فالنظريات التربوية لم تولد في فراغ، والبدء من حيث ما انتهى الآخرون يوفر الكثير من الجهد والوقت، وهذا لا يعني – قطعاً- تكرار السابق أو التعامل معه بقداسة، وإنما يتم الوقوف أمام الإيجابيات والسلبيات والبحث عن الثغرات والقراءة الناقدة؛ لابتكار الجديد أو تحسين القديم وسَد الثغرات.

تنسب طريقة الاكتشاف (Discovery) أو الاستقصاء (Inquiry) لبرونر (Bruner)[1] ، وهذه الطريقة هي أفضل الطرق لحصول تعلم قوامه الفهم بحسب بورنر؛ إذ إن الطالب في موقف الاكتشاف يكون متعلماً نشطاً، ويكتسب تعلماً فَعالاً ومثمرًا. وقد أكدت الدراسات الحديثة أهمية الاكتشاف كطريقة تَعلم تُنمي عند الطلاب مهارات الاستقصاء العلمي التي تشتمل على مهارات الملاحظة، والتصنيف، المقارنة، التنبؤ، والقياس، والتفسير، والتقدير، والتصميم، وتسجيل الملاحظات، وتفسير المعلومات، وتكوين الفرضيات.

للاكتشاف أنواع مختلفة، وهي[2]  : الاكتشاف الموجه والاكتشاف شبه الموجًه والاكتشاف الحر، ويمكن توضيح الأنواع الثلاثة كالتالي:

1- الاكتشاف الموجه (Guided Discovery)

وفيه يتم تزويد المتعلمين بتعليمات تكفي لضمان حصولهم على خبرة قيمة، وذلك يضمن نجاحهم في استخدام قدراتهم العقلية لاكتشاف المفاهيم والمبادئ العلمية، ويشترط أن يدرك المتعلمون الغرض من كل خطوة من خطوات الاكتشاف. يناسب هذا الأسلوب تلاميذ المرحلة التأسيسية أو الأساسية ويمثل أسلوباً تعليميًا يسمح للطلاب بتطوير معرفتهم من خلال خبرات عملية مباشرة.

2- الاكتشاف شبه الموجه (Semi-Guided)

وفيه يقدم المعلم المشكلة للمتعلمين ومعها بعض التوجيهات العامة بحيث لا يقيده ولا يحرمه من فرص النشاط العلمي والعقلي، ويعطي المتعلمين بعض التوجيهات.

3- الاكتشاف الحر (Free)

وهو أرقى أنواع الاكتشاف، ولا يجوز أن يمارسه المتعلمون إلا بعد أن يكونوا قد مارسوا النوعين السابقين، وفيه يواجه المعلم المتعلمين بمشكلة محددة ثم يطلب منهم الوصول إلى حل لها، ويترك لهم حرية صياغة الفروض وتصميم التجارب وتنفيذها.

ورغم أهمية ما جاء به “برونر” من أفكار تهم الأسلوب الذي يجب اتباعه، إلا إنه لا يمكن تطبيق أسلوب الاكتشاف مع كل الظواهر التعليمية، خاصة بأن هناك ظواهر يصعب أو يستحيل إخضاعها لهذا الأسلوب.

حفزت العديد من آيات القرآن الكريم الإنسان على البحث والاكتشاف، كقوله تعالى: ” قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ”[العنكبوت:20].وقوله تعالى: “ قلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ” [يونس:101]، وقوله تعالى: ” فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ(3)ثمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) [ الملك:3،4].وقد حاول إبراهيم -عليه السلام- أن يقود قومه إلى اكتشاف خطأ معتقداتهم بطريقة منطقية، حينما قام بتحطيم الأصنام ثم وضع على كاهل كبيرهم أداة التحطيم، وأجاب عن  السؤال:” قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ” (62) بقوله : “قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ “(63)[ الأنبياء]. لقد أراد إبراهيم – عليه السلام- من قومه أن يكتشفوا خطأهم بأنفسهم، فكانت النتيجة لأول وهلة :” فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ” ولكن العناد يقود إلى الإمعان في الجهل ، وتحدث الانتكاسة بعد الإبصار والاكتشاف: ” ثمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ” . إن النتيجة التي رامها إبراهيم من اكتشاف القوم خطأ ما يعتقدون قد تحققت، لكن عوامل أخرى حالت بينهم وبين الإيمان، ولذلك فقد توجه إليهم بقوله : “ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ. أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ” [ الأنبياء: 67] .

لقد زود الله الإنسان بالعقل القادر على اكتشاف ما أودعه الله في الحياة من أسرار وإيجاد العلاقات فيما بينها والابتكار والاختراع. إن الإنسان بطبيعته يحب الاستكشاف ويسعى نحو اكتساب كل جديد من المعارف المودعة في تضاعيف هذا الكون، وما اكتشاف القارات، والمعادن والذهب والفضة وغيرها إلا نتيجة مباشرة لفضول الإنسان وعقليته الاستكشافية، ثم إن الربط بين المواد يؤدي إلى الإبداع والاختراع، وكل ما بين أيدينا من مخترعات يشهد بذلك، وعليه فلا ينبغي للمعلم الإسراع في تلقين المتعلم الإجابة عن السؤال أو الحل للمشكلة بل عليه أن يساعده ويهيء له طريق اكتشافها.

التعليم بالاكتشاف أو الاستكشاف لا ينبغي أن يظل تنظيراً، وتحويله إلى واقع ليس أمراً مستحيلاً، فمنذ اللحظات الأولى من عمر الطفل يجب تشجيعه على حب الاستكشاف، وفي مراحل التعليم المختلفة ينبغي أن تتاح للمتعلم فرصة استكشاف الحل للمشكلات، واكتشاف العلاقة بين الأشياء.

المعرفة المبنية على الاكتشاف تظل راسخة في ذهن المتعلم، بينما جميع المعارف المعتمدة على الحفظ تكون عرضة للنسيان والانهيار، كما إن مجرد التلقين والتحفيظ لا يؤدي إلى بناء شخصيات قوية واثقة بنفسها، بل تعمل على تعميق الاعتماد على الغير وتعطيل قوى الإنسان الاستكشافية .

[1] https://www.abhathna.com/?q=node/710206%D8%B1

[2] https://www.abhathna.com/?q=node/710206

error: المحتوى محمي !!
X