قد يبدو العنوان غريباً لغير العاملين في حقل التربية والتعليم. نحن نعرف الصفوف التقليدية وفيها يحضر الطلاب إلى المدرسة بحقائبهم، وينتطمون صفوفاً في قاعات الدرس، ويصغون للمعلمين المتعاقبين عليهم، الواحد بعد الآخر. نعم ، هذا هو الصف الذي نعرفه، فما المقصود بالصف المقلوب؟ وما الفكرة التي بُنيت عليها فكرة الصفوف المقلوبة؟
تقوم فكرة الصفوف المعكوسة (المقلوبة) على قلب نظام التعلم التقليدي، فبعد أن كان الطالب يستمع إلى الدرس في الصف ويجيب عن الأسئلة في البيت، فإنه سيستمع إلى الدرس في البيت من خلال فيديو مرئي “يسجله المعلم ويشرح فيه الدرس المقرر ويستعين فيه بكل الوسائل التقنية السمعية والبصرية المتاحة لتوضيح الدرس للطلاب وجذبهم إليه. أما في الصف الدراسي فسيقوم الطالب بتطبيق كل ما تعلمه في البيت عمليًا أمام معلمه من خلال عدد من الأنشطة والفعاليات المختلفة“.
الفصول الدراسية المقلوبة هي استراتيجية تعليمية ونوع من التعلم المدمج الذي يركز على مشاركة الطلاب والتعلم النشط، مما يمنح المعلم فرصة أفضل للتعامل مع المستويات المختلطة وصعوبات الطلاب وتفضيلات التعلم المتباينة أثناء الحصة الدراسية. [1]
في ظل الفكرة التي بين أيدينا ” الصفوف المنعكسة أو المقلوبة” يقوم المعلم بدور أكبر مما يقوم به في ظل الفكرة التقليدية، فهو يقوم بتسجيل الدرس مسبقاً أو الاستعانة بتسجيل متوفر للمادة العلمية أو الموضوع، ويطلب من المتعلم أن يستعرض المادة في البيت وأن يقوم بإعداد أسئلة حول الموضوع ليتم مناقشتها في اليوم التالي، وهنا يتاح للمتعلم أن يستعرض الدرس في الوقت الذي يناسبه وأن يعيد استعراضه عدة مرات إذا أراد .
في اليوم التالي يأتي المتعلم ولديه الكثير من التساؤلات، وبمجرد أن يقوم المعلم بالبدء في مناقشة الموضوع يجد جميع التلاميذ مهيَّأين نفسياً ومستعدين للموضوع مسبقاً، وهنا يكون المعلم قد اختصر على نفسه الكثير من الجهد لعمل التمهيد، وتقديم أسئلة ما نسميه بالاختبار القبلي، وبإثارة الموضوع سيجد الطلاب متحفزين للمشاركة، وبذلك يكون قد قضى على رتابة الحصة، والملل الذي يشعر به المتعلم أثناء الحصة التقليدية، ومع الأيام تنمو مهارات الحوار والمناقشة والتفكير لدى المتعلمين، ويتعلمون احترام آراء بعضهم، والطرق العملية للتعاون في حل المشكلات وابتكار الحلول لمختلف المعضلات.
لو أتقن المعلم إدارة الصفوف المقلوبة فإنه لن ينقل إلى المتعلمين المادة العلمية فحسب، وإنما سيدربهم على كيفية الوصول إليها وتقديمها … يمكن للمعلم أن يتقمص دور الطالب فيطلب من أحد تلاميذه تقديم الدرس، وأهل التربية يدركون معنى أن يقوم المتعلم بتقديم المعرفة لزملائه. إن الدرس الذي يقوم المتعلم بتدريسه لآخرين يترسخ في ذهنه بنسبة تصل إلى 90%، بحسب خبراء التربية.
هناك العديد من الفوائد التي يمكن الإشارة إلى بعضها لاستراتيجية الصفوف المنعكسة، ومن ذلك[2]:
- تضمين جميع أشكال التعلم: (الشفهي ، المرئي ، الاستماع ، التدريب العملي ، حل المشكلات ، إلخ).
- بدلاً من التعلم في بيئة الفصل الدراسي التقليدية، يستخدم الفصل المعكوس نهجًا قائمًا على التطبيق (أي الأنشطة العملية وحل المشكلات).
- تعد إمكانية الوصول إلى الفصول المعكوسة مريحة للغاية، خاصة للطلاب الذين قد يواجهون صعوبات في الانتقال إلى الفصل الدراسي الفعلي، وستظل المعلومات في متناول اليد عبر الإنترنت.
- يتم التأكيد على التواصل بشكل كبير في إعداد الفصل الدراسي المعكوس، والذي يشير بشكل أساسي إلى: تفاعلات الطالب مع أقرانه ومع المعلم.
- يستخدم الفصل المعكوس أسلوب التدريس المتمحور حول الطالب المُصمم لضمان الحصول على تعليم مناسب وفعال.
- يتجنب بشكل أساسي الفكرة الشاملة المتمثلة في “حشر” الاختبارات، ونسيان المعلومات بعدها؛ لأنه يشجع الطلاب على فهم الأساس المنطقي وراء المعلومات المقدمة لهم.
اشتركت في أمسية بعنوان: ” التكيف مع نظام التعلم عن بُعد” كان الحديث عن صعوبة حدوث ذلك التكيُّففي ظل انقطاع الخدمات الرديئة للكهرباء والإنترنت في بلد كاليمن. لا بد من التفكير في الحلول وتقديم البدائل والعمل في إطار الممكن، وبذلك فإن تسجيل الدرس مسبقًا من المعلم أو من جهة تعليمية رسمية أو أهلية ليس مستحيلاً، ناهيك ولدى اليمن قناة خاصة وهي: ” القناة التعليمية” وفيها من المواد المُعلَّبة أي الجاهزة ما يغطي معظم دروس محتوى كتب المواد في مختلف التخصصات، وفي هذه الحالة تقوم المداس بجهد أقل كلفة واتخاذ الوسائل المناسبة لإرسال تلك المواد للمتعلمين، ومن ثم تفعيل بيداغوجيا ” الفصول المنعكسة”.
يفكر الكثيرون بالعوائق، والصعوبات في تطبيق أي فكرة جديدة، كرداءة الخدمات وضعف تأهيل المعلم، وإمكانات المستهدفين المحدودة، وعدم قابلية المجتمع للتغيير، وهذا من حقهم، ولكن إذا انحصر التفكير في العوائق دون ابتكار البدائل المناسبة فإنه لن يحدث أي تقدم، وسنظل ندور حول حلقة مفرغة، ولن نبادر إلى اتخاذ أي خطوات نحو التطوير والتحسين.
عندما ننادي إلى إدخال أي فكرة جديدة في نظام التعليم، فإننا ندعو أولاً إلى دراسة جادة لكل عناصر العملية التعليمية، وتهيئتها للتكيف مع الفكرة الجديدة ، وبذلك فإننا ننادي في إطار التحول إلى التعلم النشط، أو تنشيط العملية التعليمية وإدخال وسائل وأساليب فاعلة كأسلوب ” الصفوف المنعكسة” إلى :
- تأهيل المعلمين للقيام بالمهام بحرفية واقتدار
- إشراك المجتمع في صناعة التحول
- تصميم المدرسة ومرافقها بشكل يتناسب مع التغيير.
- تغيير آليات ووسائل التقييم، والتقويم.
- تصميم بيئة التعلم بشكل يساعد على التعلم.
ما نطرحه ليس خيالاً علمياً أو مجرد تنظير أو أحلام وردية، إن ما نطرحه عبارة عن خبرات إنسانية تم تجريبها بنجاح، وأثبتت فعاليتها في انتقال المتعلم من دائرة الخمول والسلبية إلى دائرة النشاط والإيجابية، وأثبتت فعاليتها في انتقال المتعلم إلى متلقي وحافظ للمعلومات إلى باحث ومكتشف لها. لا يمكن لنا أن نقفز على الظروف الصعبة التي تمر بها بلادنا، ولكننا في المقابل لا يمكن أن نظل مكتوفي الأيدي حتى تحدث المعجزة فيتغير حالنا بنفسه. يجب أن نقوم بما يمكن القيام به، ولا ينبغي أن نحقر خطواتنا التصحيحية البطيئة في الظروف الاستثنائية، فالجبال العظيمة مبنية من الحصى، ومسافة الألف ميل تبدأ بخطوة!!
[1] https://www.teacheracademy.eu/course/flipped-classroom/
[2] https://en.wikipedia.org/wiki/Flipped_classroom