النظرية السوسيوبنائية Social constructivism
فيكوتسكي المولود في روسيا القيصرية عام 1896م من أهم رواد المدرسة السوسيوبنائية ، والمعارف – وفقاً للنظرية – تُبنى اجتماعياً من طرف المتعلم (التعلم الذاتي) كما إن التعلم يحدث من خلال التفاعل مع المحيط ( تعلم خارجي أو بالأقران)، عن طريق التقليد والمحاكاة، فعندما يواجه المتعلم مشكلة، فإنه بذلك يقع تحت تأثيرين: داخلي يتمثل في ذاته، وخارجي يتمثل في الجماعة ، وهو ما يحتم عليه البحث لإيجاد الحل. بناء على النظرية فإن التعلم يحدث من خلال التفاعل بين ثلاث مكونات: السلوك، ظروف الشخص، والمحيط. والمعرفة تتطور نتيجة للتفاعل الاجتماعي واستخدام اللغة ، وبالتالي فهي تجربة مشتركة وليست فردية[1].ويرى فيكوتسكي أنه مادام والمعرفة مشتركة فالتلاميذ يتعلمون من بعضهم[2].
وتصنف النظرية السوسيوبنائية[3] ضمن نظريات التعلم المعرفية التي تعطي الأولوية للعمليات التي تجري داخل الإنسان كالتفكير واتخاذ القرار وحل المشاكل إلى جانب كل من النظرية الجشتلتية والنظرية البنائية …والتعلم في هذه النظرية لا تحققه الذات بمفردها ولا يوجد بداخلها، بل إن المعارف والمهارات والقدرات والخبرات موجودة في المحيط الخارجي. وعلى الطفل أن يتفاعل مع المحيط في إطار الأنشطة الفصلية، والفرد المنعزل لا يمكنه الحصول على المعرفة مادامت البنيات المعرفية في الأصل عمليات اجتماعية والتي تتحول إلى عمليات سيكولوجية ذاتية وشخصية من خلال الفعل والمشاركة في نشاط الجماعة.كما إنها تعدُّ فرعًا من البنائية (بياجي) حيث تتفق معها في تأكيدها على أن المتعلم هو صانع المعرفة وباني التعلم، وتختلف معها في كونها تولي أهمية أكبر لدور تفاعل المتعلم مع أقرانه ومعلمه في تسريع عملية النمو المعرفي.وهذا يعني بأن للتفاعلات الاجتماعية والأقران والاحتكاك والسياق الاجتماعي أهمية بالغة في التعلم . والنظرية بحديثها عن دور المجتمع والراشد[4] في عملية التعلم تكون قد شكلت تجاوزاً وتطويرًا للنظرية البنائية البياجوية.
يمكن اعتبار التيار السوسيوبنائي تياراً متممًا أو شبه معارض لأعمال بياجي[5] حول التعلم والنمو، فقد اتخذ هذا التيار من خلال بعض النظريات صيغة تتميم واستكمال للنظرية التكوينية مثل ما حدث مع بعض تلامذته وخاصة مع مونيي Mogny ودويز.كما اكتسى مع بعض التصورات الأخرى طابعًا شبه معارض لبياجي عن طريق تحويل إشكالية العلاقة بين النمو Development والتعلم من سياقه المنطقي البياجاوي إلى سياق اجتماعي أرحب وأكثر قرباً من الانتظارات المدرسية التربوية.والأمر يتعلق هنا بالأعمال التي اكتشفت مؤخراً للباحث البيلاروسي فيجوتسكي.فالمعارف في المنظور السوسيوبنائي موطنة ومبثوثة في سياق اجتماعي وهو الضامن للتعلم والفهم والربط والمقارنة والكفايات لا تتحدد إلا تبعا للوضعيات (والوضعيات ذات سياق اجتماعي بالضرورة).
وبناء على ذلك يصبح مفهوم الوضعية مفهوما مركزياً في التعلم[6]: ففي الوضعية يبني المتعلم معارف موطنة، وفيها يغيرها أو يدحضها، وفيها ينمي كفايات موطنة.يتعلق الأمر هنا بحصيلة فحص حاسمة بالنسبة لنمو التعلمات المدرسية. فالوضعيات التي يستطيع التلاميذ داخلها بناء معارفهم حولها، وتنمية كفاياتهم، لها دور حاسم في المنظور البنائي، ونعني بذلك أن الأمر لم يعد متعلقاً بتعليم مضامين معزولة مبتورة عن أي سياق ، مثل: مساحة منحرف، جمع الكسور، طرق الحساب الذهني، قاعدة نحوية، تصريف صنف من الأفعال… إلخ، وإنما أصبح الأمر متعلقاً بتحديد وضعيات يستطيع التلاميذ داخلها بناء معارفهم أو تعديلها أو دحضها، وتنمية كفاياتهم حول المضامين المدرسية.كما لم يعد المضمون المدرسي غاية في ذاته، بل أصبح وسيلة لخدمة معالجة وضعيات تحتل نفس مرتبة الموارد الأخرى.والمقاربة السوسيوبنائية، تنطلق من ثلاثة أبعاد أساسية:
أ – البعد البنائي لسيرورة تملك المعارف وبنائها من قبل الذات العارفة.
ب- البعد التفاعلي لهذه السيرورة نفسها، حيث الذات تتفاعل مع موضوع معارفها، والمراد تعلمها.
ج- البعد الاجتماعي (السوسيولوجي) للمعارف والتعلمات حيث تتم في السياق المدرسي (وضعيات)، وتتعلق بمعارف مرموزة من قبل جماعة اجتماعية معينة. وعليه فإن المقاربة السوسيوبنائية هي مقاربة بنائية تفاعلية اجتماعية (فليب جونير، ترجمة الحسين سحبان،2005)[7].
إن التعلم عند “فيكوتسكي” يتحقق من خلال لحظتين حاسمتين[8]: اللحظة الأولى، وتمثل زمن تدخل الراشد أو المعلم لإطلاق شرارة التعلم الذي يعجز التلميذ عن تدشينه بمفرده، فإذا اختار الراشد الوقت المناسب وكان فعله مناسبًا، فإن الطفل يتمكن من الاشتغال منفرداً بتوظيف مكتسباته. واللحظة الثانية، وتسمى لحظة النمو المتمثلة في تدخل السيرورات الفردية الداخلية في عملية استبطان المقولات الاجتماعية، الثقافية والمهارات والمعارف لتستوعبها داخليا.ويميز “فيكوتسكي” بين مستويين من الذاكرة عند الأطفال،:الذاكرة الطبيعية، وهي المشترك بين جميع الأطفال والأفراد قبل انخراطهم في النشاط الاجتماعي والثقافي سواء داخل المدرسة أو خارجها، لا تعتمد الوسائط الثقافية ما دامت لم تستضمر بعد مقولات الخارج، ولم تستدخل أية قيم أو معارف، والذاكرة ذات الوسائط العليا، وهي أكثر تطوراً من الأولى باعتبارها تنخرط ضمن الوظائف العقلية المتقدمة والمعتمدة على المقولات الثقافية المخزنة، وتظهر عند الأطفال الذين تتاح لهم فرص التفاعل مع الراشدين المتمرسين، وخلال الأنشطة يكتشفون الوسائل التي تساعدهم على التذكر، فتتحقق الطفرة في النمو، وينتقل الطفل من الذاكرة الطبيعية إلى الذاكرة ذات الوسائط والمدعمة بالعناصر الثقافية المكتسبة.ومن ثمة فإن القدرة على التذكر تظل محدودة في غياب التفاعل مع ذوي الخبرة والكفاءة المتقدمة والقدرة العالية. وهنا يبرز الدور المركزي للراشد.
التطور المعرفي للمتعلمين يعتمد على الوسط الاجتماعي ومدى ما يوفره من وسائل ووسائط تعمل على استثارتهم لتقبل المعلومات الجديدة ومقارنتها بالسابقة وبناء المعنى الشخصي الذاتي . إن المتعلم يعيش في وسط اجتماعي ويتعلم كيفية الاندماج في المجتمع، ومع تطور الحياة نجد اتساعاً للمجتمع حتى لكأن العالم اليوم أصبح مجتمعاً واحداً، فلم يعد كافياً أن يتفاعل المتعلم مع الوسط الذي يعيش فيه فحسب، بل عليه أن يتفاعل مع المجتمع العالمي الأوسع، وعليه فلا بد من توسيع إطار المعرفة والانفتاح عى الجديد من العلوم العالمية وإرشاد المتعلمين للاستفادة القصوى من كل العلوم النافعة .
إن الانكفاء على الذات وحصر المتعلم بمحيطه وتقديم معرفة متواضعة وبطرق تقليدية تعزز العزلة لدى شريحة كبيرة من أبناء المجتمع وتسهم في خلق مشكلات مستقبلية ناتجة عن كثير من المتناقضات المعرفية، فالعالم اليوم يُعدُّ كقرية واحدة، والمتعلم فيها مؤثر ومتأثر في آن واحد ولا يمكن إحاطته بسور يمنعه عن ذلك أو تلقينه المعرفة المجردة وتوجيهه بمعزل عن قناعاته.لقد أصبح الإنترنت مصدراً فاعلاً للمعرفة، ولم يعد يمقدور أحد الحيلولة بينه وبين التأثير في بناء المعرفة وتشكيلها، ولعلنا نلاحظ تأثيره الكبير على كل مجالات الحياة .
[1] https://www.theedadvocate.org/social-constructivism-in-education/
[2] https://sites.google.com/site/dsmktylenda/content/vygotsky-s-social-constructivist-theory
[3] shorturl.at/oEKMX
[4] https://ssboukhari.rigala.net/t9-topic
[5] shorturl.at/hloJV
[6] https://stardima.yoo7.com/t524-topic
[7] https://www.abhathna.com/?q=node/710140
[8] https://ssboukhari.rigala.net/t9-topic