نظرية التعلم اللفظي المعرفي القائم على المعنى 

نظرية التعلم اللفظي المعرفي القائم على المعنى

الأحد 4 أكتوبر 2020

نظرية التعلم اللفظي المعرفي القائم على المعنى
                   د.عبدالقوي القدسي

كيفية تعلم المادة اللفظية والمنطوقة هو ما حاول “أوزوبل” تفسيره من خلال هذه النظرية (Ausubel’s Theory). والتي تسعى إلى تقديم معلومات مفتاحية للمتعلمين منذ البدء؛ قصد توجيههم،.. ترجع نظرية ” أوزوبل ” للتعلم القائم على المعنى إلى عالم علم النفس المعرفي دايفيد أوزوبل الذي حاول من خلال هذه النظرية تفسير كيف يتعلم الأفراد المادة اللفظية المنطوقة والمقروءة[1] .

 

نادى أوزبل بضرورة الربط بين التعلمات الجديدة والقديمة أثناء بناء المعرفة[2]، وخلص إلى أن التعلم لا يحدث فقط على أساس الاكتشاف والممارسة، بل إن أسلوب التلقين والإلقاء يُعد ناجعاً كذلك في حال التدرج في تقديم المعارف بتدريس الأفكار البسيطة ثم الشاملة ثم الانتقال إلى المفاهيم الأقل شمولية وصولاً إلى المعلومات الدقيقة والمفصلة، أي الانتقال من البسيط إلى المعقد، فالمتعلم يستقبل المعلومات اللفظية ويربطها بالخبرات السابقة، وبهذه الطريقة تأخذ المعرفة الجديدة بجانب المعرفة القديمة معنىً خاصاً لديه، وهو ما سماه بالتعلم القائم على المعنى. يؤمن أوزبل إذاً بفكرة التعلم الهادف بدلاً من الحفظ عن ظهر قلب.

 

المعلم في بداية الدرس مطالب بأن يخبر الطالب بالمسار الذي سيقطعه في الدرس في طريقه لاكتساب المعرفة ولا يمكن للمعلم رسم المسار إلا إذا اكتشف أولاً ما لدى التلاميذ من معرفة مسبقة، فإذا حدث ذلك فله أن يسلك أحد طريقين ، الطريق الأول : الشرح والتوضيح والتدرج من السهل إلى الصعب ومن الأقل شمولية وتجريد إلى الأكثر شمولية، والطريق الثاني هو الربط بحيث يقوم بتوجيه الطالب إلى ربط ما لديه من معلومات ومعارف سابقة بالجديدة مكوناً المفهوم الخاص به، وبذلك يكون للتعليم معنى.

 

كثيراً ما يركز المعلمون على الحفظ فيطلبون من التلاميذ – على سبيل المثال – حفظ معاني الكلمات أو التواريخ أو غيرها من الألفاظ والرموز، وهذا النوع من التعليم لا يسهم في بناء شخصية الطالب ولا يساعد على تكوين معان خاصة والتعبير عنها بحرية، وكثيراً ما يربط بعض المعلمين حصول التلاميذ على درجة كاملة بدرجة حفظهم للألفاظ ومدى إتقانهم في استظهارها.

 

يجدر بنا أن نشير هنا إلى وقوع الكثيرين من معلمي التربية الإسلامية واللغة العربية تحديداً في أخطاء كثيرة تعيق من تقدم التلاميذ في المستويات العليا للتفكير، فنراهم منهمكين في تقييم التلاميذ على مدى إتقانهم في ترديد معاني الألفاظ أو الأبيات الشعرية أو المقطوعات الأدبية دون الاهتمام بإثارة دافعية التلاميذ لتشكيل معان جديدة، والخروج بأفكار متقدمة من خلال إتاحة الفرصة لهم بربط ما يتعلمونه بما لديهم من خبرات، وإتاحة فرصة النقد أو إبداء الرأي في بعض جوانب المادة التعليمية.

 

نحن ننادي، كما ينادي أصحاب هذه النظرية وغيرهم من التربويين إلى الانتقال بالطالب من المعرفة القائمة على مجرد الحفظ إلى المستويات العليا من المعرفة، والتي يقود إليها الفهم والممارسة للمعارف المتعلمة، فالطالب – فيما عدا حفظ القرآن أو الحديث – يجب أن تكون لديه الشجاعة الكاملة على مناقشة المعارف وفهمها ونقدها بطريقة منهجية علمية. ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى إن فهم الطالب لمعاني ألفاظ القرآن ومعاني الآيات يساعده على إتقان الحفظ، وكثيراً ما يعاني الطلاب من الختامات الذيلية لبعض الآيات، مثل: عزيز حكيم – غفور رحيم – تواب حكيم – تواب رحيم، فإذا فهم الطالب معنى الآية واستطاع استحضاره فإنه سيكون أكثر دقة ومعرفة بالاختتام المناسب للسياق، وهنا يحضرني أثر بالغ الأثر في الأمر وهو إنكار الأعرابي على الأصمعي اختتام آية السرقة بقوله: ” والله غفوررحيم” يقول الأعرابي عندما سمع ذلك : هذا ليس من القرآن! وبعد لغط، يحتكم من كان في مجلس الأصمعي إلى العودة إلى المصحف وإذا بالآية (38) من سورة التوبة تختتم بقوله تعالى: “عزيز حكيم” وليس :” غفور رحيم” يقول تعالى: “وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ” . ﺃﻋﺠﺐ ﺍﻷﺻﻤﻌﻲ ﺑﻨﺒﺎﻫﺔ ﺍﻷﻋﺮﺍﺑﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﻄﻦ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﺑﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦﺣﻔﻈﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﺴﺄﻟ ﻪﻳﺎ ﺃﻋﺮﺍﺑﻲ ﻛﻴﻒ ﻋﺮﻓﺖ؟ ﻗﺎﻝ ﺍﻻﻋﺮﺍﺑﻲ:ﻳﺎ ﺃﺻﻤﻌﻲ ﻋﺰَّ ﻓﺤَﻜﻢ ﻓﻘﻄَﻊ، ﻭﻟﻮ ﻏﻔﺮ ﻭﺭﺣﻢ ﻟﻤﺎ ﻗﻄﻊ !

 

عن طريق مخطط يبين العلاقات بين عناصر الدرس، موضوع التعلم، مع التأكد من أن المتعلم قد تمكن من المعارف السابقة ذات الصلة بالموضوع المراد تدريسه، وأي قصور لدى المتعلم في ضبط تلك المعارف أو في تمثلاتها يستدعي تدخلاً من المعلم قصدَ إعادة تدريسها إياه أو تصحيحها قبل الشروع في الدرس. وفي هذا السياق يمكن للمعلم عرض أهداف الدرس على المتعلمين أو عرض عنوان الدرس ومن ثم الطلب منهم أن يصيغوا مجموعة أهداف للدرس تعكس توقعاتهم بناء على العنوان، وهذه النظرية تقوم أساساً على الاستنتاج حيث يعتقد أوزوبل[3] أن التعلم يستمر بطريقة تنازلية أو استنتاجية.

يرى أوزبل بأن المعلومات التي ينظم من خلالها المعلم للتعليم الجديد، تسمى بالمنظمات المتقدمة ، وهي تنقسم إلى:

1: منظمات شارحة وتكون عندما لا يكون لدى الطلاب أي معلومات عن الموضوع.

2: ومنظمات مقارنة وتكون عندما يكون لدى الطالب خلفية معرفية سابقة ثم يعمل على مقارنتها بما لديه ويشكل من خلالها معنى خاصاً.

كما إن أوزبل ينادي بالبدء من الشامل والتدرج في التفصيل وهو ما يعرف بالتمايز التقدمي أو التدريجي فعندما يريد المعلم أن يشرح لتلاميذه بأن الحديد من الفلزات فإنه يبدأ من الشمول، فالمادة تنقسم إلى : صلبة، وسائلة وغازية ، والصلبة تنقسم إلى موصلة وغير موصلة، والموصلة فلزات وغير فلزات، والحديد من الفلزات.

 

يرى أزوبل بأن تثبيت المعلومات لدى المتعلم يكون بالتكرار أو بتمثيل المعلومات أو المفاهيم أو المحاكاة، وهنا تأتي الخرائط المفاهيمية وإبداع المعلم في رسمها كإحدى أهم الوسائل المعينة على استيعاب وفهم الروابط بين أجزاء الموضوع الواحد .

 

” أتدرون مَن المُفلِسُ ؟ ” قالوا: المُفلِسُ فينا يا رسولَ اللهِ مَن لا درهمَ له ولا متاعَ له فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( المُفلِسُ مِن أمَّتي مَن يأتي يومَ القيامةِ بصلاتِه وصيامِه وزكاتِه وقد شتَم هذا وأكَل مالَ هذا وسفَك دمَ هذا وضرَب هذا فيقعُدُ فيُعطى هذا مِن حسناتِه وهذا مِن حسناتِه فإنْ فنِيَتْ حسناتُه قبْلَ أنْ يُعطيَ ما عليه أُخِذ مِن خطاياهم فطُرِحت عليه ثمَّ طُرِح في النَّارِ ) ، هذا الحديث الذي رواه أبو هريرة كما في صحيح ابن حبان، يبين أسلوب النبي صلى الله عليه وسلم في الربط بين المفهوم المتداول المعروف وبين المفهوم المراد تعليمهم إياه بأسلوب جذاب يتيح للمتعلمين الربط بين المفهومين وعمل مقارنات عقلية غاية في الأهمية، فلفظ (المفلس) في الحالين دلالة على الخسران، والنتيجة في الحالين واحدة وهي الحسرة والندامة، ولكن المصير الأكثر سوءًا يتمثل بجهنم التي يستحقها المفلسون المسرفون في الظلم وأكل أموال الناس بالباطل!!

 

يتعلم التلاميذ المواد اللفظية [4] عن طريق:

1 – الحفظ الصم : وهنا يكرر التلميذ المعلومات بدون فهم حتى يحفظها حفظا ً آليا ً

2 – استيعاب المعنى : وهنا يتمثل التلميذ ما تحتوي عليه المواد اللفظية من معلومات وما تتضمنه من أفكار .

 

مجرد الحفظ دون استيعاب المعنى يُكسب المتعلم معرفة في مستواها الأدنى ، ولكن التعلم الفاعل هو الذي يقرن الحفظ بالمعنى ويثير لدى المتعلم الدافعية للربط بين القديم والحديث من المعلومات والخبرات، ولن يكون بمقدور المتعلم الانتقال إلى التفكير الإبداعي أو النقدي واكتساب مهاراته إذا ظل يدور حول دائرة مفرغة هي دائرة الحفظ. فالعالم اليوم بعد ابتكاره وسائل غاية في الدقة لحفظ المعلومات ليس بحاجة إلى نسخ بشرية مكرورة، بل بحاجة إلى بشر مبدعين ومبتكرين يسهمون بقوة في بناء الحضارة الإنسانية، وبذلك يكون للتعليم معنى!

[1] https://shere26queen.own0.com/t3713-topic

[2] shorturl.at/vyJNX

[3] http://fpmipa.upi.edu/data/report_activity/9875881844.pdf

[4] https://shere26queen.own0.com/t3713-topic

error: المحتوى محمي !!
X