غير التربويين في المؤسسات التعليمية

د عبدالقوي القدسي

د.عبدالقوي القدسي

الاثنين 3 يناير 2022

كنا ننتقد كثيراً تعيين مدراء مدارس من غير التربويين، وكانت المبررات – بطبيعة الحال – كثيرة لدى صناع القرار، والتي أبرزها عجز الدولة عن تغطية كل الإدارات بتربويين. لم تكن المشكلة مقتصرة على المدراء، بل تتعدى ذلك إلى تعيين معلمين غير تربويين، فالكثير من خريجي كليات العلوم والزراعة والهندسة والطب وغيرها من التخصصات يتم الدفع بهم لممارسة العملية التعليمية دون تأهيل تربوي.. ما نتحدث عنه على مستوى المدارس ينطبق على الجامعات والكليات، فالكثير من أساتذة الجامعات [1]لا يمتلكون مهارات التدريس الأساسية على الرغم من ممارستهم للعمليات التعليمية، وينسحب ذلك على الكثير من إدارات الكليات والأقسام، فالكثير منهم لا يمتلكون مؤهلات تربوية ولا يتلقون تدريباً في الجوانب التربوية. لم تنته المشكلة بعد، وما نزال نعاني منها حتى أيامنا هذه!

هل من المهم أن يتلقى شاغرو الوظائف التعليمية في المدارس والجامعات تدريباً في الجوانب التربوية كاستراجيات التدريس، وعلم النفس التربوي، وإدارة الصف، وتصميم المناهج والقياس والتقويم التربوي وغيرها من موضوعات التربية ؟ هل من الأهمية بمكان أن يتدرب القائمون على العملية التعليمية على صياغة الأهداف والتخطيط للبرامج والأنشطة، وتربية الموهوبين ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة؟ ما علاقة مدراء المدارس أو عمداء الكليات بكل هذه التفصيلات؟

وفقاً لقانون التعليم الماليزي لعام 1996 ، كما في معظم دول العالم ، لا يجوز لأي شخص التدريس في مؤسسة تعليمية ما لم يكن لديه مؤهلاً تربوياً، واشترطت الكثير من الجامعات المحترمة حصول الأستاذ الجامعي على دبلوم تربوي قبل مباشرته للعملية التعليمية في كل تخصصات الجامعة، وهذا – من وجهة نظري – مسلك هام وخطوة في الاتجاه الصحيح، ويستند إلى منطق، حيث أن ممارسة التدريس بحاجة إلى كفايات مشتركة للجميع وكفايات تخصصية، وعدم امتلاك المعلمين وأساتذة الجامعة لها فهذا يعني الممارسة الخاطئة، أو على الأقل تكون الممارسة منقوصة. وما نقوله على مستوى المعلم، نقوله أيضاً على مستوى الإدارات المدرسية والجامعية. فالمدير التربوي والعميد التربوي ورئيس الجامعة التربوي سيكون أداؤهم أفضل، وسيشعر المستفيدون بأثرهم؛ لأنهم باختصار يدركون – تماماً – رسالتهم ورؤيتهم واضحة، ويمتلكون المعرفة التامة بالأهداف المراد تحقيقها في إطارالتعليمية والتربوية.

يُفترض بمدير المدرسة أن يكون هو الموجه الداخلي للمدرسة، فإن كان لا يفقه شيئاً في الجوانب التربوية، فكيف سيقوم بدوره التوجيهي والإرشادي والتطويري في المدرسة، وهو دور في غاية الأهمية، ووفقاً للقاعدة: فاقد الشيء لا يعطيه، فهذا يعني بأن المدير غير المؤهل تربوياً لن يعطي شيئاً ذا بالٍ.

لماذا تنهار العديد من المؤسسات التعليمية الأهلية والحكومية؟ ولماذا لا يُكتب النجاح للكثير من المدارس والمعاهد والجامعات؟ ألا يمثل غياب القائد التربوي سبباً مباشراً لحدوث ذلك؟ ألم تتحول بعض المؤسسات التعليمية الأهلية على وجه الخصوص إلى مجرد دكاكين غرضها الربح والجباية فحسب دون النظر إلى الرسالة التربوية والتعليمية؟

تعمد بعض المدارس إلى توظيف خريجي الثانوية لتدير من خلالهم العملية التعليمية والتربوية بكلفة منخفضة وتضمن بذلك أكبر قدر من الربح، ولا تقوم تلك المدارس بأي تأهيل لهم قبل الخدمة أو أثناءها، ولعل أولياء الأمور يدركون الانعكاسات السلبية على مستوى أبنائهم التعليمي والسلوكي في آن واحد.

خلاصة القول: يجب أن تحرص المؤسسات التعليمية على تأهيل منسوبيها في الجوانب التربوية، وتقوم بدورها في التأهيل قبل الخدمة وفي أثنائها، وتنظيم برامج تدريب للإدارات وهيئات التدريس؛ حتى تؤدي رسالتها وتحقق رؤيتها وتشارك في نهضة بلدانها. ويجب في هذا الصدد أن لا يُسمح بممارسة العملية التعليمية إلا برخصة أو إجازة من الجهات المختصة، وفي المقابل يجب اشتراط المؤهل التربوي لشاغلي الوظائف الإدارية أو إخضاعهم لبرنامج تأهيلي قبل الخدمة كشرط لقبولهم في المؤسسات التعليمية، وينطبق ذلك حتى على الذين يشغلون وظائف في المالية وشؤون الموظفين وكل ما له صلة مباشرة بالتعامل مع الطلبة أو أولياء أمورهم.


[1]  يمكن العودة إلى مقال للكاتب بعنوان ” ضرورة التأهيل التربوي للأستاذ الجامعي https://yecm.net/5960/

اترك تعليقاً

error: المحتوى محمي !!
X