أ.د. داود عبد الملك الحدابي
كانت علاقاتهما متميزة، وفي يوم من الأيام كان أحدهما حريصًا أن يسمَع لصديقه ويقرأ كلماته. فما كان منه إلا أن بعث بالعديد من الرسائل المكتوبة والمسموعة والمقاطع التي تعكس المودة و المحبة، ولكن للأسف لم يستقبل أي رد، فبدأت تساوره الشكوك والظنون؛ لعدم اكتراث زميله به، وبدأت الهواجس تتواتر لديه، وحاول أن يجمع بعض المواقف السابقة المتناثرة ليصل إلى تصور سلبي عن زميله، بل أدى ذلك إلى الكثير من الألم والضغوط النفسية؛ مما أثر على حياته سلبًا.
بعد أن قرأ زميله الرسائل والتعليقات القائمة على الظن وليس الحقيقة اعتذر له أنه لم يقرأ ما كتبه إلا تلك اللحظة؛ نتيجة لانشغاله ببعض الأعمال، وكانت النتيجة أن الألم الذي عانى منه أحدهما لا يعتمد على حقائق موضوعية، فقد طغت المشاعر على العقل والتفكير المنطقي ومسلمات الحياة، طغت الشكوك والتفسيرات والتصورات السلبية في العلاقات الاجتماعية والإنسانية.
هذا الحدث لبعض الأصدقاء هو ما دفعني إلى أن أكتب هذه الخاطرة بعد معرفتي بالقصة، والحمد لله أن العلاقة بين الأخوين عادت إلى مجراها الطبيعي بعد اكتشاف الحقيقة، وزوال الظنون السلبية.
إن الإنسان بحكم طبيعته مخلوق اجتماعي، ولا يستطيع أن يعيش حياته الطبيعية بدون تفاعله الإيجابي مع الآخرين، واحدة من مكونات السعادة العلاقات الاجتماعية الإيجابية، التي تتضمن مشاعر المحبة والمودة بينه وبين الآخرين، ولا يستطيع الإنسان الاستغناء عن العلاقات الاجتماعية مع الآخرين سواء أكانوا أقارب أو أصدقاء، وأحيانًا تتأثر هذه العلاقات وتشوبها بعض المعوقات فتتوتر وتكون مصدرًا من مصادر التعب والمعاناة والضغوط النفسية التي تكدر الحياة، ولكن إذا تأملنا قليلاً كيف تتأثر العلاقات الاجتماعية سلبًا سنجد أن المصدر الأساسي هو تفسير الإنسان للطرف الآخر سواءً لأقواله، أو أفعاله، أو إيماءاته المقصودة أو غير المقصودة.
فلو تذكرت أحيانا توترًا في علاقاتك مع الآخرين ستجد أن بدايته هو تفكيرك وتفسيرك الشخصي إمَّا لأقوالٍ قالها الطرف الآخر، أو قرارات اتخذها نحوك أو نحو مواقف أو آخرين، كما قد يكون تفسيرًا لسلوك نحوك، أو حتى تصرف ظهر على شكل لغة الجسد، فتبدأ بتفسير ذلك على أنه قول أو فعل أو إيماء أو قرار أو حتى قول آخرين عن الطرف الآخر وصلك وساهم في تفسيرك وشوش تصورك، بعدها تبدأ بجمع ما يعزز تفسيرك السلبي لمواقف وأقوال وإيماءات وسلوكيات وأفعال، وهذه التفسيرات قد تعززها تصورات وانطباعات مسبقة عن الآخرين أو أخبار أو معلومات ناقصة أو مغلوطة وصلتك عن الآخرين، عندئذ تزداد الفجوة والهوة بينك وبينهم.
وكلما زادت الفجوة بينك وبين الآخر يزداد ألمك وضغطك النفسي؛ مما يجعلك لا تستطيع أن تطيق ذكر اسمه، ناهيك أن تتحدث معه وتقابله، فتتحاشاه وتتجنب الحديث معه، وكلما طالت الفترة الزمنية لهذه الفجوة ستجد نفسك تزداد ألمًا ومعاناة؛ فيزداد التفكير السلبي، وقد يتأثر نومك وشهيتك وعلاقاتك وأداؤك في العمل، فآثارها مدمرة للنفس والنشاط اليومي وإنتاجيتك في العمل.
وللتغلب على مثل هذه التفسيرات السلبية التي تؤثر على حياتك عليك بالآتي:
١. لا تصدق كل ما يقال عن الآخرين، ولا تسلِّم بها مهما كانت، واسمع منهم مباشرة ولا تسمع عنهم من الغير.
٢. أحسن الظن بالآخرين، وذلك أفضل لنفسك ولحياتك وسعادتك، واحتمل لهم الأعذار والمبررات الإيجابية التي تبعدك عن الشك والتفسير السلبي بهم.
٣. تجنب مقاطعة علاقاتك مع الآخرين نتيجة لتفسير سلبي أو وشاية مغرضة، واحرص على التواصل والتفاعل المستمر، وبادر بالتواصل مع الآخرين، ولا تنتظر أن يأتوك ولا تتوقع الاعتذار انتصارًا كما يقال للكرامة.
٤. سامح واغفر وأحسن الظن بالآخرين؛ لتبقى سعيدًا في حياتك، فهذا أدعى لتحسين العلاقات وإيجابيتها وترفع عن الصغائر والتفسيرات والإصرار على المقاطعة.
٥. تذكر أن إساءة الآخرين لك لا يؤثر عليك، بل يرفعك؛ لأن الناس لا يتلقفوا ما يقال، بل ما يُرى ويُلاحظ. فاحرص على أن تكون قدوة في القول والسلوك ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وأصلح أخطاءك؛ فالإنسان بطبعه خطَّاء، والرجوع عن الخطأ فضيلة، وإن لم تكن قد أخطأت في التفسير فالتسامح من شيم القادة والكبار.
٦. تقبل أخطاء الآخرين، وتعامل معها بحكمة؛ لتصويبها، كن كالطبيب في تعامله مع المريض، الرحمة والتعاطف هي المحفزة للسلوك الإيجابي نحو الاخرين .
٧. تجنب الأخذ بالظن، والتسليم بالوشاية.
٨. تجنب الانطباعات والأفكار السلبية المسبقة عن الآخرين، وابن قراراتك عن الآخرين من خلال المعايشة والحياة معهم والقرب منهم والتفاعل معهم، واعتمد على المعلومات الدقيقة والموضوعية؛ حتى تكون تصوراتك عن الآخرين متوازنة وأكثر مصداقية.
٩. لاتجعل العاطفة تطفئ نور العقل ووازن بينهما؛ فالحياة تتطلب تفعيلهما بتوازنٍ.