د.عبدالقوي القدسي
نشأت نظرية الاشتراط الإجرائي في أواخر القرن التاسع عشر[1] وتحديداً في الفترة ما بين 1946 إلى 1948 على يد “بورهوس فريدريك سكنر” الذي توفي عام 1990وهو إخصائي في علم النفس وسلوكي ومؤلف ومخترع وفيلسوف اجتماعي أمريكي. وتشير نظرية الاشتراط الإجرائي إلى أن التعزيز هو أحد أهم العوامل النفسية التي تؤثر على الاستجابات، حيث أن عملية التعلم ستتم بشكل صحيح وأكثر فاعلية إذا ما تم تعزيز الاستجابات الصحيحة، فالطالب الذي يطلب منه الإجابة على أحد الأسئلة “المثير” يقدم إجابته “الاستجابة” أول مرة بشكل متردد وعندما يتحقق الطالب من إجابته يتم تلقائياً تعزيز الاستجابة ودعمها وتكرارها في حالة تكرار المثير.
تعتمد نظرية F. F. Skinner على التكييف الفعّال. الكائن الحي في طور “العمل” على البيئة ، وهو ما يعني بعبارات عادية أنه يرتد حول عالمه، ويفعل ما يفعله. خلال هذه “العملية” يواجه الكائن الحي نوعًا خاصًا من المحفزات، يسمى محفز التعزيز ، أو ببساطة معزز. هذا التحفيز الخاص له تأثير زيادة العامل – أي السلوك الذي يحدث قبل المعزز. هذا هو التكييف الفعال: “السلوك يتبعه نتيجة، وطبيعة النتيجة تعدل ميل الكائنات إلى تكرار السلوك في المستقبل”[2].
ضع فأرًا في قفص خاص يسمى “صندوق سكينر” يحتوي على قضيب أو دوَّاسة على جدار واحد، عند الضغط عليه تخرج حبيبات الطعام في القفص. يتحرك الجرذ حول القفص عندما يضغط على الشريط دون قصد، ونتيجة للضغط على الشريط، تسقط حبيبات الطعام في القفص.في فترة زمنية قصيرة نسبيًا “يتعلم” الجرذ الضغط على العارضة كلما أراد الطعام. وهذا يؤدي إلى أحد مبادئ التكييف الفعال، فالسلوك الذي يتبعه التحفيز المُعزز يؤدي إلى زيادة احتمال حدوث هذا السلوك في المستقبل. إذا ضغط الفأر على الشريط ولم يحصل على الطعام باستمرار،فإن ذلك يؤدي إلى انخفاض احتمال حدوث هذا السلوك في المستقبل. الآن ، إذا كنت ستعيد تشغيل آلة الحبيبات مرة أخرى، بحيث يؤدي الضغط على الشريط مرة أخرى إلى تزويد الفئران بالطعام، فإن سلوك دفع القضيب سيعود إلى الوجود بسرعة أكبر بكثير مما استغرقه الفئران لتعلم السلوك في المرة الأولى. هذا لأن عودة المعزز تحدث في سياق تاريخ التعزيز الذي يعود إلى أول مرة تم فيها تعزيز الجرذ لدفعه على العارضة. وهذا يؤدي إلى ما يسمى بجداول التعزيز.
من خلال التجربة السابقة نصل إلى استخلاص نتائج هامة، ومن ذلك[3] :
1-السلوك هو معالجة إجرائية للبيئة، فضغط الفأر على الرافعة تُعدُّ استجابة إجرائية للحصول على الطعام .
2-يكون الحيوان إيجابيًا و نشطًا ولا يتعزز سلوكه إلا إذا قام باستجابة إجرائية معينة حسب ما يريد المجرب .
يرى سكنر أنه يمكن تطبيق مبادئ الاشتراط الإجرائي في مختلف المواقف، فلكي نُعدّل سلوكاً ما فإننا نبحث عن أنماط المعززات أو المكافآت التي تستثير اهتمام الفرد الذي نريد تعديل سلوكه وننتظر حتى تصدر عن هذا الفرد الاستجابة المرغوبة و نعززها على الفور، كما يمكن استخدام نفس الأسس في نمو الشخصية الإنسانية ، كما يرى سكنر أنه يمكن للآباء و المعلمين تحديد اتجاه شخصيات الأطفال وذلك بمكافآتهم على الأنماط السلوكية التي يستهدفونها في شخصياتهم، وعبر الخطوات التالية :
- تحديد خصائص الشخصية التي يريد الأب أن يتصف بها الطفل عندما يكبر .
- تحديد الأهداف في صيغ سلوكية: ( صياغة الأنماط السلوكية التي يتعين أن يفعلها الطفل ) .
- مكافأة السلوك الذي يصدر عن الطفل وفقاً لهذه الأهداف .
- تهيئة نوعًا من الاتساق عن طريق ترتيب الخواص الرئيسة لبيئة الطفل : ( مكافأة السلوك الذي يحظى بالأهمية ) .
الطالب الذي يجيب لأول مرة فيُثني عليه المعلم فإنه يتحفز في المرة الثانية للإجابة، ويشعر بالارتياح كلما وجد تعزيزاً إيجابياً، والعكس كذلك، فحينما يجيب المتعلم بشكل صحيح دون تعزيز من المعلم، فإنه لن يتشجع مرة أخرى على الإجابة عن السؤال.
سنقوم بتخصيص المقال القادم – إن شاء الله – للتطبيقات التربوية للنظرية .
[1] https://rb.gy/p5jgss
[2] https://rb.gy/p5jgss
[3] https://rb.gy/p5jgss