نظرية الجشتلت (Gestalt psychology)
د. عبدالقوي القدسي
الجمعة 25 سبتمبر 2020
د.عبدالقوي القدسي
ظهرت نظرية الجشتلت في ألمانيا كرد فعل، ورفض للمفاهيم والنظريات السلوكية. حيث دعت إلى دراسة السلوك ككل وليس كأجزاء منفصلة. يُعد (ماكس فريتمر) هو المؤسس للنظرية، ثم انضم إليه اثنان من العلماء هما : (كوهلر –كوفكا) وقد أصبحت النظرية ترتبط باسميهما أكثر من مؤسسها. تطلق على النظرية تسميات عديدة ومن ذلك : نظرية المجال- نظرية الحل المفاجئ- النظرية الكلية-الاستبصار.
الفكرة الرئيسة للجشتالت أن الكل سابق لجزيئاته، وقد اعتمدت على عدة تجارب، ومن أشهرها تجربة القرد والصناديق التي سيأتي الحديث عنها لاحقاً.وأقرب ترجمة لكلمة “Gestalt ” الألمانية في اللغة الإنجليزية هي كلمة : ” Configuration ” التي تعني الترتيب. ولأنه يصعب على وجه الدقة ترجمة الكلمة من الألمانية إلى العربية والإنجليزية، فقد بقي اللفظ كما هو، وتُعرف في العربية بالكل أو البُنية أو الكل المتكامل الذي يكون لكل جزء فيه وظيفته ودوره. والجشتلت هو النقيض للمجموع، فالمجموع ليس أكثر من حزمة من الأجزاء أو سلسلة من القطع أو الأجزاء التـي قـد تكون مشبوكة أو ملصقة بعضها ببعض بطريقة عشوائية. تُستخدم كلمة Gestalt في اللغة الألمانية الحديثة لتعني الطريقة التي تم بها “وضع” شيء ماً، أو “تجميعه”.
النظرية الجشتلتية هي أكثر المدارس الكلية تحديدًا وأكثرها اعتمادًا على البيانات التجريبية، ولذلك كانت أكثرها نجاحًا وأبعدها أثرًا. وكان اهتمامها الأول مُنصباً على سيكولوجية التفكير، وهو عملية غالباً ما تظهر خصائص لا يمكن تفسيرها تفسيراً مناسباً بمجرد النظر في الأجزاء فحسب، وعلى مشاكل المعرفة بصورة عامة. سرعان ما امتدت النظرية إلى مجالات حل المشكلات والإدراك والجماليات والشخصية وعلم النفس الاجتماعي. النظرية الجشتلتية تقدم الكثير من المقترحات الأساسية والمليئة بالحماس لعملية التعليم التي تنطلق من معطيات التعلم الرئيسة بصورة مباشرة.
الاستبصار في نظرية (الجشتالت) يعني تحقيق الانطباع الصادق، والإدراك الفجائي للحل أو الفهم لما بين الأجزاء في موقف ما من خلال محاولات فاشلة قد تطول أو تقصر، فالاستبصار إذاً هو اللحظة التي يتم التوصل فيها إلى الحل بعد فترة من التأمل والانتظار، و الاستبصار هو دليل على أن الفرد فهم المشكلة وعرف ما يجب عمله لحلها، ومما يؤكد على أن الحل المفاجئ يأتي كمحاولة صحيحة بعد المحاولات الفاشلة ،فالكائن الحي بعد معرفته للحل الصحيح لا يكرر المحاولات الفاشلة، ويبدأ بحل المشكلة بشكل مباشر دون الرجوع للمحاولات الفاشلة مرة أخرى.
عن طريق النظرية الجشتلتية يمكن حل الكثير من المشكلات الحياتية والتوترات بين الجماعات والأمم بالنظر إلى المشكلة الكلية ثم البحث عن جزئياتها وتفصيلاتها والربط بينها. النظرة الكلية للمشكلة تقود إلى عدم الخوض في التفاصيل التي ربما يكون إثارتها سبباً في زيادة حجمها.
إذا نظرت إلى وجه شخص فإنه يتكون – للوهلة الأولى – تجاهه انطباعاً معيناً، فإذا ما اقترب منك ونظرت إلى تفاصيل وجهه فلربما تغيرت النظرة. وإذا حكمت على شخص من خلال موقف معين فلربما كان حكمك ظالماً، بينما النظر إليه بشكل كلي يساعد في اكتمال النظرة والحكم الصحيح العادل.
نظرية الجشتالت تحارب الاستظهار والحفظ دون معنى وتدعو إلى الاستبصار والفهم، ومنظروا الجشتلتية يقفون ضد ما هو أعمى أو تحكمي أو ما ليس له معنى، ويتطلعون إلى ما هو طبيعي وقائم على الاستبصار وله معنى.
على المعلم – وفقاً للنظرية الجشتالتية- أن يدرك الهدف الأساسي لما يقوم بتعليميه، وأن لا يؤكد على الإجابة الصحيحة، وإنما على الطريقة الصحيحة في تناول الإجابة.كما يجب أن يكون هدفه الأساسي من الأنشطة تنمية الفهم، وليس الترديد الببغائي للإجابات الصحيحة التي يتم تحديدها بصورة تحكمية. وعلى المعلم أن يدرك بأن حفظ المواد دون فهم المعنى سرعان ما يذهب إلى أدراج الرياح، فما يتم حفظه لا يبقى في الذاكرة إلا مدة قصيرة، وأن يدرك بأن الحفظ هو بديل سيء للفهم، وليس هناك داع للمعززات الخارجية، مثل : النجوم الذهبية، وعبارات الثناء المجاني، أو العقوبة لارتكاب الخطأ إذا ما سمح للعملية التعليمية باتخاذ مجراها الطبيعي، والإشراقة التي تعلو وجه المتعلم عند تحقيقه للاستبصار هي المعزز الحقيقي الذي يحتاج إليه معظم المتعلمين.